مرشح؟ إتصل بنا

"عضلات كرتونية" لـ"حزب الله": استحالة الفوز بالأكثرية النيابية!

على الرغم من "عرض العضلات" الانتخابية التي يعمل "حزب الله" على تظهيرها كمعركة استباقية يسعى إلى خوضها أمام الخصوم السياسيين، ملوّحاً بقوّته الحاضرة وجاهزيّته الكاملة للفوز بالأكثرية النيابية في الاستحقاق المنتظر، إلا أنّ تفاصيل المحاولات المتلاحقة على مدى الأسابيع الماضية لعرقلة الاستحقاق يدحض كلّ الشعارات الرنانة ويخفّف من مظهر "الزنود المفتولة". فماذا حصل حتى تكوّنت قناعة لدى أحزاب وشخصيات عدّة محسوبة على المحور السياديّ، بأن "الحزب" يخشى أن يرنّ جرس الانتخابات لئلا يفقد وحلفاؤه الأكثرية النيابية الحالية، مع بروز هواجس اضافية من "تطيير" الاستحقاق؟

تؤكّد المعطيات التي ترويها أوساط نيابية مطّلعة عبر "لبنان الكبير"، بأنّ المعطى الأول لشرح ما حدث ينطلق من تقديم نواب "التيار الوطني الحرّ" الطعن في تعديلات قانون الانتخاب أمام المجلس الدستوري، الذي لم يكن محض مصادفة، بل إنه أتى نتاج التحضير للوصول إلى تسوية تقوم على مقايضة الصوت الاغترابي بالمحقّق العدلي طارق البيطار، على قاعدة العودة إلى الدائرة 16 مقابل إزاحة البيطار. وكان حجم المطالب "حرزان" على صعيد "التيار العوني"، بما شمل إزاحة رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود وتعيين إسم مطواع، الى جانب المطالبة بتشكيلة واسعة من التعيينات المسيحية. ولم تمرّ الصفقة حينذاك، نتيجة رفض الرئيس نجيب ميقاتي المعطوف على أسباب شخصية مرتبطة بصورته ودوره في رئاسة الحكومة، إضافة إلى أسباب دولية تضع خطوطاً حمر تمنع ضرب الاستحقاق الانتخابي. ولم يكن ميقاتي وحده المعترض على صفقة من هذا النوع. بل عدم موافقة أتت أيضاً من الرئيس نبيه بري الذي لم يجد نفسه معنياً بصفقة من هذا النوع، لاعتبارات الخشية من انهيار ما تبقى من مؤسسات ولعدم تحقيق منفعة وازنة من صفقة كهذه.

ويضيء المطّلعون على أنّه كان لبري الدور الأساسي في حماية تصويت المغتربين و"مغازلة" حزب "القوات اللبنانية" في مواجهة "التيار الوطني الحرّ"، مع الإشارة إلى حجم الخصومة بين حركة "أمل" و"التيار الوطني الحرّ"، على طريقة أنّ رئيس "أمل" لا يشرب من الفنجان إذا تصوّرت له صورة رئيس "التيار الحرّ" داخله. ويشيرون إلى أنه لولا بري لكانت الدائرة 16 "مرقت" بكل سهولة. لكن ثمة معطى آخر يستوجب أخذه في الاعتبار: أين "حزب الله" من كلّ ما يحصل؟ وإذا كان حتى اللحظة يلتزم الهدوء المستمر، لكن هناك من يلفت إلى أنه سيكون صاحب القرار النهائي في إعادة طرح ورقة الدائرة 16 على طاولة المجلس النيابي من خلال قانون معجل مكرّر إذا اختار ذلك، مما يعني "تطيير" موعد الانتخابات في حال تمرير هذه المسألة. وهذا ما يثير هواجس أحزاب عدّة سيادية التوجه، باعتبار أن رئاسة المجلس لن تكون قادرة حينها على معاكسة هكذا قرار إذا أصر عليه "الحزب" جديّاً.

وعلم "لبنان الكبير" أن "حزب الله" فرض التحالف بين "أمل" و"التيار" في كلّ الدوائر الانتخابية التي تشمل المقاعد الشيعية، لجهة خوض الانتخابات عبر التحالف بين هذه القوى الذي سيشمل دوائر الجنوب وبيروت وبعبدا والبقاع. ويرتبط قرار التحالف بنظرة "الحزب" الذي يريد جمع الصفوف في ظلّ حاجة كلّ من "حليفيه الخصمين" لخوض الانتخابات إلى جانبه من أجل بلوغ النتائج الانتخابية التي يطمحون إليها والتي لا يستطيعون بلوغها من دونه. فهل سيتخذ "الحزب" قراراً بإعادة النظر بالدائرة 16؟ حتى الساعة، لا معلومة متداولة في المجالس السياسية في هذا الإطار، سوى الخشية من السير باتجاه هذه الخطوة، التي يدحضها الاندفاع الدولي الرافض لتأجيل الانتخابات أو ضرب الصوت الاغترابي. كما الاتجاه إلى فرض عقوبات على النواب الذين سيعمدون الى اتخاذ هذا الاجراء.

ولا يلغي ذلك التأكيد على مجموعة هواجس تجعل "حزب الله" في دور دفاعي حذر من إجراء الانتخابات في موعدها، كالآتي:

أولاً، حسب معطيات"لبنان الكبير"، تشير استطلاعات الرأي التي قام بها مركز أبحاث كمال الفغالي إلى تراجع شعبية "التيار الوطني الحرّ" في الوسط المسيحي بما معدّله 60%، مع ما تعنيه هذه النسبة من تغييرات في النتائج على الصعيد الداخلي من دون احتساب أصوات المغتربين. كما تؤكد الاستطلاعات انخفاض تقويم "حزب الله" في المناطق المسيحية إلى مستويات غير مسبوقة مقارنةً باستحقاق 2018، إذ يراوح معدّل العلامات على 10 بالنسبة لشعبية الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في المناطق المسيحية ما بين 1 و2 (نقطة أو نقطتين). ويعني ذلك أن المتغيرات في النتائج الانتخابية المرجحة على صعيد خسارة الأكثرية النيابية ستأتي من البوابة المسيحية لا الشيعية.

ثانياً، وحسب أرقام المغتربين المسجلين للتصويت في بلاد الاغتراب، بلغ عدد المسجلين في دائرة الشمال الثالثة (البترون، الكورة، بشري، زغرتا) 27 ألف صوتاً مما يعني تسجيل رقم مرتفع جداً، يمكن له أن يؤثر في مقعدين نيابيين في هذه الدائرة. كما بلغ عدد المسجلين في بيروت 36 ألف ناخب، مع الاشارة إلى القدرة على التأثير في أكثر من مقعدين نيابيين بالحدّ الأدنى على صعيد دائرة بيروت الأولى. أما عدد الذين تسجلوا على صعيد دائرة جبل لبنان الرابعة (الشوف وعاليه) فـ 26 ألفاً، مما يعني القدرة على التأثير في مقعدين. كما أن التأثير الاغترابي واضح في أكثر من دائرة أخرى على صعيد جبل لبنان. في المقابل، يبدو تأثير الأرقام ضئيلاً في دوائر الجنوب والبقاع الانتخابية التي تُعتبر مناطق نفوذ "حزب الله"، بما لا يشكّل خشية جدية من انعكاس أصوات المغتربين على المقاعد الشيعية.

وتؤكد هذه المعطيات خلاصات واضحة أن اتخاذ "حزب الله" قراراً بالاحتكام الى الضغط باتجاه عودة الدائرة 16 في الأيام المقبلة، سيكون مردّه في حال حصل، الى إنقاذ الواقع الانتخابي لحليفه الاساسي "التيار الوطني الحرّ". وتالياً، محاولة انقاذ أكثريته النيابية الحالية. وعلى اختلاف الاتجاه الذي سيتخذه "الحزب" في هذا الموضوع في ظلّ التخوف مما ستحمله جلسة الثلاثاء النيابية، فإن المؤكد أن القوّة التي يحاول "حزب الله" تظهيرها بقدرته على الفوز مجدداً بالأكثرية النيابية، لا تشكل سوى "قوّة كرتونية" غير مبنية على أسس علمية أو منطقية.